تحدّيات المتغيّر السوري: تنظيمات السلفية الجهادية وفلسطين


في تصريح نادر ومعزول لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في 7 أكتوبر 2001، يقول: «لن تحلم أمريكا ولا من يعيش فيها بالأمن قبل أن نعيشه واقعاً في فلسطين وخروج القوات الأجنبية من جزيرة العرب». لم يترجم التصريح في هيئة جدول أعمال للتنظيم في أي مرحلة لاحقة، وبقي في إطار «المناكفة» الإعلامية مع الولايات المتحدة. ليس خافياً، أن استحضار القضية المركزية للأمة يحقق غرض التعبئة والاستقطاب. جاء التصريح بعد مرور شهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 الذي تبنته «القاعدة»، وكان فاتحة لمرحلة اشتباك واسع النطاق على مستوى العالم، وكان بمنزلة انتقال سردية الجهاد الأفغاني من المحلية إلى الكونية. تصدّرت «القاعدة» المشهد الإعلامي، وبدأت تنظيمات السلفية الجهادية تتناسل من التربة الأفغانية باتجاه «سياحة جهادية» مفتوحة وممتدة إلى مناطق أخرى داخل معسكر الخصم السوفياتي، أي جمهوريات آسيا الوسطى وشمال القوقاز المنضوية سابقاً في الاتحاد السوفياتي السابق (الشيشان وأوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان) نزولاً إلى العراق وسوريا واليمن.
كان وسط الجزيرة العربية مهد السلفية الحديثة على نهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 ـ 1792)، الذي أرسى معالم مدرسة إصلاحية تقوم على مبدأ تصحيح المفاهيم الدينية الشائعة، أو بلغته «كشف شبهات الكفّار والمشركين في أمور الاعتقاد». فكان المجتمع ساحة العمل المركزية، وبلغة أخرى، كان مشروع الوهابية مصمّماً من أجل إحداث التغيير الشامل من أدنى إلى أعلى. أسّس الشيخ خارطة طريق للأجيال السلفية اللاحقة، فكانت تضطلع بمهمة في الإصلاح الديني في المجتمع، أي «تصحيح العقيدة» وما علق بها من «بدع» وأضراب الشرك «الأصغر والأكبر».
لم تكن لدى الأجيال السلفية المتعاقبة اهتمامات سياسية واضحة خارج المجال الجيوسياسي الذي تعمل فيه، فقد نذرت نفسها لمهمة «حراسة العقيدة»، ومراقبة معتقدات الناس، وضبط السلوك الديني للأفراد، وضمان التزامهم بالفروض العبادية الروتينية (حضور المساجد بانتظام، وارتداء اللباس الشرعي بالنسبة إلى الذكور والإناث، وإطالة اللحية وحفّ الشارب بالنسبة إلى الرجال، ومنع تناول المسكرات ولعب القمار وكل ما خالف أحكام الشريعة).
تأثير التعاليم الوهابية على تنظيمات السلفية الجهادية بكل أنواعها كان، ولا يزال، شديداً وإلهامياً لجهة «الأجندة السياسية» الضيّقة، وقائمة الأولويات، ولائحة الأصدقاء والأعداء، فكان تنظيم «القاعدة»، رغم تمايزه الضئيل عن بقية تنظيمات السلفية الجهادية (بفعل الهامش النسبي لانتماءات فكرية متقاربة)، يؤكّد باستمرار في أدبياته السياسية ضرورة محاربة «الأعداء القريبين»، ويقصد بهم (الأنظمة العربية والحكومات المحلية)، قبل الانخراط في حرب أوسع ضد «العدو البعيد» (أي الولايات المتحدة والغرب عامة). وتصدر عقيدة التنظيم عن دعوى فحواها أن المعركة الأساسية هي تحرير الأراضي الإسلامية من الحكام العلمانيين والفاسدين.
على نحو مماثل، ركّز تنظيم «داعش» على إنشاء «الخلافة الإسلامية» المعلنة ذاتياً والدفاع عنها في العراق وسوريا، وكانت طموحاته الإقليمية في بلاد الشام أكثر إلحاحاً من تحرير فلسطين.
من جهة ثانية، تزاول الاختلافات الإيديولوجية والطائفية دوراً إغوائياً في مقاربة القضية الفلسطينية. غالباً ما تكون الجماعات الجهادية السلفية على خلاف مع الفصائل الفلسطينية المنخرطة بشكل أكثر مباشرة في النضال ضد إسرائيل، سواء «السلطة الفلسطينية» أو فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي، وغيرها من الجماعات العلمانية أو القومية. ويرى الجهاديون السلفيون أن هذه الجماعات، وخاصة «حماس»، ليست إسلامية بما فيه الكفاية، ويتهمونها بالتعامل (ويذهب البعض إلى اتهامها بالتعاون) مع دول الغرب أو غيرها من الدول «المرتدة».
وتعد حركة حماس جماعة إسلامية، ولكنّها تعرّضت لانتقادات من جانب الجهاديين السلفيين بسبب براغماتيتها في تعاملاتها مع الحكومات الأخرى ذات الغالبية المسلمة، بما في ذلك علاقاتها السياسية مع دول مثل قطر وتركيا، والتي ينظر إليها السلفيون على أنها معتدلة جداً. وللمفارقة، أن كثيراً من تنظيمات السلفية الجهادية، بما فيها «هيئة تحرير الشام» بصفتها أحد تنظيمات السلفية الجهادية ومن نسل «القاعدة»، وتقود اليوم العملية السياسية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، تحظى برعاية كاملة تركية وقطرية.
ينتقد الجهاديون السلفيون حركة حماس أيضاً بسبب انخراطها في النظام السياسي الفلسطيني، والذي يرون فيه شكلاً من أشكال التسوية أو المهادنة مع العلمانية أو حتى الردّة. غالباً ما ترفض الجماعات السلفية أي شكل من أشكال المشاركة السياسية التي لا تستند إلى تفسيرها الصارم للإسلام.
بالنسبة إلى عدد من الجهاديين السلفيين، لا يمثّل الكيان الإسرائيلي التهديد الوجودي نفسه الذي تمثله الأنظمة العربية العلمانية أو القوى الغربية. وفي حين تنظر هذه الجماعات إلى «إسرائيل» بكونها عدواً، فإنّها، بدلاً من ذلك، تعطي الأولوية لإقامة الخلافة الإسلامية وتحكيم الشريعة ومحاربة البدع. وكثيراً ما يُنظَر إلى إسرائيل بصفتها عضواً في التحالف «الصهيوني الصليبي» الأوسع، ولكن الحركة الجهادية تركّز عادة على مواجهة الحكّام المسلمين المرتدين المفترضين، الذين تحسبهم تهديداً أشد إلحاحاً للإسلام، وهنا يبرز التوجيه الوهابي الخفي في ترتيب سلّم الأولويات العقدية والأعداء الوجوديين.
وفي حالات كثيرة، تزعم الجماعات الجهادية أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يحدث إلا بعد هزيمة «الأعداء القريبين» (الأنظمة العربية والغرب). وهم يعتقدون أنّه بمجرد إنشاء دولة إسلامية حقيقية في العالم الإسلامي، فإن القتال ضد إسرائيل سيصبح أكثر جدوى.
ونقرأ في سيرة القاضي الشرعي العام في «جيش الفتح» الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، القادم من معقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وسط نجد، والذي انتقل إلى بلاد الشام في أكتوبر 2013 للوساطة بين تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» ولكن وساطته فشلت، أنه قرّر الالتحاق بـ«أحرار الشام» تحت قيادة أبو محمد الجولاني وأصبح القاضي الشرعي فيه ومقاتلاً في صفوفه، وكان يرى بأن قتاله وأتباعه في حلب وبلاد الشام هو «للدفاع عن أهل الخليج».

ثمة مدسوس عقدي لا يرى في الكيان الإسرائيلي عدواً مباشراً، ولا فلسطين قضية أولى. ولا غرابة أن ينفجر «الانفلات الطائفي» غير المسبوق، والمحبوس طوال مدة «طوفان الأقصى»، دفعة واحدة فور سقوط النظام


ما يلفت في سيرة المحيسني موقفه من فلسطين والجهاد ضد الكيان الإسرائيلي. وفي مقابلة مع صحيفة «الأخبار» نشرت في 21 سبتمبر 2016، كان المحيسني منحازاً للنظام التركي، وفي الوقت نفسه شديد الصراحة والصرامة في مواقفه ضد إيران وحزب الله وحتى الشيعة، مجتمعاً وعقيدة. وفي السؤال عن موقف جماعته (حركة أحرار الشام) من العدو الإسرائيلي، وأنها رغم السيطرة على جبهة محاذية له لم تطلق الجماعة رصاصة ضد الكيان الإسرائيلي، ولم تفتح معركة، بل سمحت لجرحاها بالتطبّب في المستشفيات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة. فكان جواب المحيسني «إن العدو الصائل أولى»، ويقصد به «المعتدي على غيره بغير وجه حق، بقصد سرقة ماله أو انتهاك عِرضه أو سفك دمه أو اغتصاب أرضه»، وللمعتدَى عليه عندئذ شرعاً أن يدفع المعتدي بما يراه مناسباً لدفع شرّه وعدم تمكينه من النَّيْل من عِرضه أو دمه أو ماله أو أرضه ولو كان بقتل الصائل، استناداً إلى الآية الكريمة: «فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ». وفي تفسير المحيسني أن «ثمة عدواً مباشراً يهاجمنا اليوم وهو الجيش السوري وحلفه، فلماذا نستعجل بفتح جبهة مؤجّلة؟». تفسير أثبتت الأيام، وبعد سقوط النظام السوري على وجه الخصوص، أن مقاومة العدوان الإسرائيلي ليست مدرجة على جدول أعمال التنظيم السلفي الجهادي الحاكم. بل إن المحيسني نفسه علّق في حسابه على منصة «إكس» في 20 كانون الأول الجاري على قرار الإدارة الأميركية إلغاء المكافأة المالية وقدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، بشكل احتفالي وختم تعليقه بعبارة «الحمد لله».
ويلحظ أن احتلال الجيش الإسرائيلي لمواقع إستراتيجية من سوريا وتجاوز اتفاقية الحدود لسنة 1974 والسيطرة على جبل الشيخ الإستراتيجي والقنيطرة وقرى أخرى والاقتراب من درعا وعلى مسافة قصيرة من العاصمة دمشق، لم يحدث تغييراً لافتاً في الموقف السلفي الجهادي. وحتى رئيس «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) صرّح لتلفزيون «سوريا» في 14 كانون الأول: «الوضع السوري المنهك بعد سنوات من الحرب والصراعات لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة». وعاد الجولاني وصرّح في 17 كانون الأول بأنه «لن يسمح للبلاد بأن تستخدم كمنصة لانطلاق الهجمات ضد إسرائيل أو أي دولة أخرى». تصريحات متوالية بلغت ذروتها في مقابلة محافظ دمشق ماهر مروان مع شبكة الإذاعة العامة الأميركية (إن بي آر) في 27 كانون الأول بأن «سوريا ليست لديها مشكلة مع إسرائيل». ما يلفت الانتباه في رد المكتب الإعلامي للإدارة السياسية السورية الجديدة على تصريحات المحافظ مروان أنها كانت مواربة، واكتفت بجملة حمّالة أوجّه، بوصف تصريحاته بأنها «قد لا تعكس الموقف الرسمي للدولة».
في الخلفيات، إن لغة التطمين المشدّدة لا تعكس موقفاً سياسياً فحسب، بل ثمة مدسوس عقدي لا يرى في الكيان الإسرائيلي عدواً مباشراً، ولا فلسطين قضية أولى. ولا غرابة أن ينفجر «الانفلات الطائفي» غير المسبوق، والمحبوس طوال مدة «طوفان الأقصى» بفعل تلاحم جبهات الإسناد مع صمود غزة ومقاومتها، دفعة واحدة فور سقوط النظام السوري، حيث بدأت عملية إغراق هوجاء لخطاب طائفي تكفّلت به مجاميع افتراضية وذباب إلكتروني، ومكائن تغذية آلية تحقن الأجواء العامة بمواد وتوجيهات وفرمانات طائفية تشارك فيها دوائر مشبوهة أميركية وأوروبية وإسرائيلية وبعضها عربي وإسلامي وأيضاً جماعات سلفية. وفي النتائج، تأكّدت المعادلة مرة أخرى: كلما استفحل الخطاب الطائفي وتفشى كانت فلسطين الخاسر الأول، وهذا يجعل «الطائفية» بضاعة صهيونية، إمّا بالتصنيع أو بالترويج، فيما تتحوّل بلدان العرب والمسلمين إلى سوق استهلاكية نموذجية. والأنكى، أن الخدعة الطائفية تنطلي مرة وألف مرة ولا يزال جسد الأمة بلا مناعة، وكأنها مجبولة على السقوط في الفتنة، ومبرمجة تكوينياً على أن تكون الطائفية مصدر إغراء وإغواء على مر السنين. أو كأن اللعبة الطائفية هي السلوة التي تشبع غريزة مكتومة أو تملأ فراغاً دائماً.
ومن النقاط الفارقة، في حين تشكّل فلسطين قضية رمزية ودينية مهمة بالنسبة إلى عدد من المسلمين، وخاصة في ما يتصل بالمسجد الأقصى، فإن الجهاديين السلفيين لا ينظرون إليه بالضرورة كأولوية إستراتيجية. فهم أكثر اهتماماً بالسيطرة الإقليمية في منطقة غرب آسيا، وخاصة في مناطق مثل العراق وسوريا وأجزاء من شمال أفريقيا. ويحتل تركيزهم على إقامة الخلافة والدفاع عنها في هذه المناطق الأولوية على قضايا أخرى، بما في ذلك فلسطين.
إن مجموعات سلفية جهادية، مثل داعش، كان جوهر طموحاتها الإقليمية يتركز حول بلاد الشام (سوريا والعراق)، ولم تكن تعطي الأولوية للصراع الخارجي مع إسرائيل، ولم نقرأ في أدبياتها ما يوحي بحضور فلسطين في جدول أعمالها، وكانت على استعداد لنقل أثقالها البشرية والتنظيمية والعملياتية إلى القارة الأفريقية ووسط آسيا بدلاً من ذلك.
وفي محاولة هروبية، صاغ تنظيم «القاعدة» صراعه مع الكيان الإسرائيلي كجزء من صراع أوسع ضد الإمبريالية الغربية لكنّه لم يجعل تحرير فلسطين هدفاً عملياتياً مركزياً، وبذلك أصبحت فلسطين في أحسن الفرضيات هدفاً مؤجّلاً أو خارج دائرة الاهتمام.
لناحية الاعتبارات التكتيكية والموارد، تلوذ تنظيمات السلفية الجهادية بحجّة فحواها أنها تعمل في سياقات محلية جداً حيث يمكنها الحصول على دعم من السكان المحليين أو الجمعيات الخيرية. إن الانخراط في القضية الفلسطينية يتطلب منها توجيه الموارد والمقاتلين إلى جبهة بعيدة وعسكرية جداً، وسيكون هذا صعباً نظراً إلى قيود القدرات العملياتية للمجموعات والديناميكيات الجيوسياسية الراسخة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي ينطوي على جهات فاعلة أخرى من الدول وغير الدول ذات نفوذ طويل الأمد في المنطقة. بكلمات أخرى، إن الانخراط في المشروع الفلسطيني يتطلب ترتيبات لوجستية معقدّة، وخطاباً تعبوياً ليس موجوداً في البنية العقدية السلفية، يضاف إلى ذلك الذريعة الرائجة بأن عامل الجغرافيا يبقى عائقاً أمام الاشتباك مع العدو. وإذا كانت الذريعة لها أنصار في زمن سابق، أي في مرحلة حكم بشار، فإن سقوطه جعل الحدود مع الكيان الإسرائيلي مباشرة.
وفيما تمثّل فلسطين قضية عربية وإسلامية عليا، فإنّ عزوف الدول العربية والإسلامية عن دعم فصائل المقاومة الفلسطينية في نضالها ضد العدو الإسرائيلي وتالياً تصدي إيران لهذه المهمة، أوجد مبرراً لدى تنظيمات السلفية الجهادية للتحرر من أي التزام ديني وأخلاقي، فلم تعد فلسطين تحظى بموقع محوري. تمكّنت حركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي من بناء شبكات واسعة وعلاقات راسخة مع القوى الإقليمية مثل إيران، التي توفر لها الدعم المالي والعسكري وإلى حد ما تركيا. ومن انعكاسات هذه العلاقة الوطيدة بين حركات المقاومة الفلسطينية وإيران، أن تنظيمات السلفية الجهادية، التي غالباً ما ترفض نفوذ القوى الشيعية مثل إيران، ترفض الاندماج في الأطر السياسية والعسكرية الفلسطينية القائمة، بل ولا حتى تشكيل أطر موازية، وفي نهاية المطاف نأت بنفسها عن الملف الفلسطيني في الأساس.
ما سبق يحيل إلى دور الانقسام السنّي الشيعي في تخفيض مستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينية في الوسط السلفي الجهادي. أفضى الانقسام إلى الحد من مشاركة مقاتلي تنظيمات السلفية الجهادية في فلسطين. فإيران هي من الداعمين الرئيسيين لحركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس (رغم أنها نأت بنفسها عن اكتساب صبغة سياسية أو محورية محدّدة قبل «طوفان الأقصى») والجهاد الإسلامي في فلسطين، ولكن الجماعات الجهادية السلفية، وخاصة «داعش»، تنظر إلى إيران والمسلمين الشيعة بكونهم عدواً أساسياً. ونتيجة لهذا فإن أي تحالف مع الجماعات التي تدعمها إيران سوف يُنظَر إليه بوصفه مشكلة عقدية، أي مسألة تراوح بين الإيمان والكفر.
يضاف إلى ما سبق، النزاع البيني، حيث انشغل عدد من الجماعات الجهادية السلفية بالصراعات الداخلية، وخاصة بين فصائل «القاعدة» و«داعش». وقد انخرطت هذه الجماعات في صراعات مكثفة حول القيادة والاختلافات الأيديولوجية، الأمر الذي أدّى إلى تحويل الانتباه والموارد بعيداً من الحملات الخارجية مثل فلسطين. على سبيل المثال، أعرب تنظيم «القاعدة» في بعض الأحيان عن دعمه الخطابي للمقاومة الفلسطينية، ولكن تركيزه الفعلي كان على القتال في دول مثل أفغانستان والعراق وسوريا، وسعى إلى بناء نفوذه وترسيخ وجوده التنظيمي والعملياتي.
باختصار، تمتنع الجماعات الجهادية السلفية عن إعطاء الأولوية لفلسطين لأسباب عدة، بما في ذلك تركيزها على إقامة خلافة عالمية، والاختلافات الطائفية والأيديولوجية مع الفصائل الفلسطينية، والقيود التكتيكية، وهدفها الأوسع المتمثل في مواجهة ما تحسبها تهديدات أكثر إلحاحاً تفرضها الأنظمة العلمانية والغرب. وفي حين أن فلسطين ذات أهمية رمزية لكثير من المسلمين، فإنها لا تتوافق مع الأهداف الأساسية لهذه الجماعات، التي ترى أن القتال ضد الأنظمة «المرتدة» المحلية والغرب هو شاغلها الأكثر إلحاحاً. ومع صعود «هيئة تحرير الشام»، بصفته أحد مكوّنات السلفية الجهادية، مع لفت الانتباه إلى التحسّن الخطابي المستحدث لدى قادة «الهيئة» بعد استلامها الحكم في سوريا، لم يطرأ حتى الآن أي تغيّر حقيقي ولافت في موقف «الهيئة» أو غيرها من تنظيمات السلفية الجهادية من القضية الفلسطينية، بل لا تزال في عداد القضايا المؤجّلة.
* كاتب عربي

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي